المطاردة بين جندي الملائكة و الشياطين في معركة النفس)
قد عرفت ان الوسواس اثر الشيطان الخناس، و الالهام عمل الملائكة الكرام. و لا ريب في ان كل نفس في بدو فطرتها قابلة لاثر كل منهما على التساوي، و انما يترجح احدهما بمتابعة الهوى و ملازمة الورع و التقوى، فاذا مالت النفس الى مقتضى شهوة او غضب وجد الشيطان مجالا فيدخل بالوسوسة، و اذا انصرفت الى ذكر الله ضاق مجاله و ارتحل فيدخل، الملك بالالهام. فلا يزال التطارد بين جندي الملائكة و الشياطين في معركة النفس.
لهيولانية وجودها و قابليتها للامرين بتوسط قوتيها العقلية و الوهمية، الى ان يغلب احد الجندين و يسخر مملكة النفس و يستوطن فيها، و حينئذ يكون اجتياز الثاني على سبيل الاختلاس، و حصول الغلبة انما هو بغلبة الهوى او التقوى فان غلب عليها الهوى و خاضت فيه صارت مرعى الشيطان و مرتعه و كانت من حزبه، و ان غلب عليها الورع و التقوى صارت مستقر الملك و مهبطه و دخلت في جنده، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم-: «خلق الله الانس ثلاثة اصناف: صنف كالبهائم، قال الله تعالى:
«لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم اعين لا يبصرون بها (41) » .
و صنف اجسادهم اجساد بني آدم و ارواحهم ارواح الشياطين، و صنف كالملائكة في ظل الله يوم لا ظل الا ظله» .
و لا ريب في ان اكثر القلوب قد فتحها جنود الشياطين و ملكوها، و يتصرفون فيها بضروب الوساوس الداعية الى ايثار العاجلة و اطراح الآجلة. و السر فيه:
ان سلطنة الشيطان سارية في لحم الانسان و دمه و محيطة بمجامع قلبه و بدنه، كما ان الشهوات ممتزجة بجميع ذلك، و من هنا قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم-: «ان الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم» ، و قال الله سبحانه-حكاية عن لسان اللعين-:
«لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين ايديهم و من خلفهم و عن ايمانهم و عن شمائلهم» (42) .
فالخلاص من ايدي الشياطين يحتاج الى مجاهدة عظيمة رياضة شاقة، فمن لم يقم في مقام المجاهدة كانت نفسه هدفا لسهام وساوسهم و داخلة في احزابهم